فأوصيكم ونفسي أيها المسلمون بتقوى الله عز وجل.

الخوارج أعداء الأمن ووحدة الأمة ([1]) الحمد لله رب العالمين... أما بعد: فأوصيكم ونفسي أيها المسلمون بتقوى الله عز وجل. أيها الأحبة: لقد بعث الله محمدًا...

احلي كلمة

عضو
مسجل بالموقع
فأوصيكم ونفسي أيها المسلمون بتقوى الله عز وجل.
الخوارج أعداء الأمن ووحدة الأمة ([1])
الحمد لله رب العالمين... أما بعد:
فأوصيكم ونفسي أيها المسلمون بتقوى الله عز وجل.
أيها الأحبة: لقد بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق على حين تشرذمٍ وتفرقٍ في العرب, وفي عموم العالم, بعثه الله عز وجل فألّف به بين القلوب, وجمع به بعد الفرقة، بعثه الله بالدين الحق رحمةً للعالمين, بعثه بالعلم النافع والعمل الصالح الذي يجمع ولا يُفرّق، ويؤلِّف ولا يُشتِّت, وكان من أعظم ما منّ الله به عليه وعلى مَن معه من أصحابه رضي الله عنهم: أنه سبحانه وتعالى ألّف بين قلوبهم، فقال له عز وجل: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[الأنفال:63].
وقال الله تعالى مخاطبًا للصحب الكرام بعد أن وقعت بادرة نزاع يسيرة في المدينة: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ} يعني في الجاهلية {أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ} نار الفرقة والتشتت والعداوة والحروب {فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا}[آل عمران:103].
وقال سبحانه موصيًا الصحابة في غزوة بدر، وهي وصية للأُمة في كل أحوالها: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}[الأنفال:46].
وفي سبيل تحقيق هذه اللُّحْمة, وفي سبيل تحقيق ذلكم الاجتماع جاءت النصوصُ المتوافرة بالنهي عن التفرق, وجاءت النصوص المتكاثرة المتواترة بالسمع والطاعة لمن تولى أمرَ المسلمين وإن كان توليه بالقوة، كما يشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «اسمعوا وأطيعوا ولو تأمر عليكم عبدٌ حبشي كأن رأسه زبيبة»([2])، لأنه:
لا يصلح الناسُ فوضى لا سَرات لهم ** ولا سَرات إذا جُهّالهم سادوا
وتكاثرت النصوص أيضًا بتحريم الخروج على أئمة المسلمين, وإن كانوا أئمة جورٍ وظلم, ولم يزدد المسلمون عبر القرون إلا بصيرةً بهذه النصوص العظيمة، التي لم يحصل عبر التاريخ في مخالفتها إلا الفتنُ والشرور، والدماء التي تُراق كلما وُجِد خَرقٌ وشقٌ لصف المسلمين وجماعتهم, ولقد كان من جملة ما يستعيذ منه النبي صلى الله عليه وسلم ويُسمِعه أصحابه: تلكم الدعوة التي هي استعاذة بالله تعالى من الفتن, حيث قال مرةً حينما مرّ على أقبرٍ للمشركين في المدينة فقال لأصحابه فيما قال: "تعوّذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن"، قالوا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن([3]).
ومن جملة الأدعية المأثورة: "اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبسًا علينا فنضل"([4]).
أيها المؤمنون: إذا ذُكر الاجتماع والافتراق تُذكر قضيةٌ خطيرةٌ جدًا، وهي قضية خرْق سياج الأمن، لأنه ثبت بالتاريخ والتتبع أن وجود الفرقة والتشتت ورفع السلاح والخروج على جماعة المسلمين لا يتوقف فقط عند أذى ذلك المعتدي وحده, بل يكون بوابةً - والعياذ بالله - لفتنٍ لا يعلم مآلها إلا الله سبحانه وتعالى, فتنٌ في الدماء, وفتنٌ في الأعراض, وفتنٌ في الأموال, وخرقٌ لسياج الأمن, الأمن الذي لا يمكن أن تقوم دولةٌ ولا أن يقوم معاشُ الناس إلا به.
أيها الأحبة: ولحكمةٍ يريدها الله, ولما سبق في علم الله عز وجل من وجود بعض الفتن؛ كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو الناصح الأمين الرءوف الرحيم بأمته يُحذِّر هذه الأُمة من أصناف من الطوائف، يتلبسون بلبوس الدِّين, وهم من أبعد الناس عنه! يتلبسون به ليُضلوا الناسَ بأفعالهم, ويُضلوا الناس بصوَرِهم وهيئاتهم وأحوالهم, ويضلوهم بأقوالهم وما يلبسونه من الحق, وقد قال الأئمة: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصح عنه شيءٌ في التحذير من فرقة من الفرق بعينها إلا في فرقة واحدة, ما هي هذه الفرقة يا تُرى؟ إنها فرقة الخوارج, الخوارج الذين نبتت نابتتُهم في عهده عليه الصلاة والسلام, فإنه لما رجع عليه الصلاة والسلام من غزوة من الغزوات، وبدأ قسم الغنائم، قام قائم فقال: اتق الله يا محمد واعدل!
انظر كيف استخدم هذا المجرمُ المارق هذه اللفظة وهي: "العدل", والعدل كلمةٌ تعشقها النفوس, لكنه وظّفها لغرضٍ خبيث, فقال عليه الصلاة والسلام: « ويلك! من يعدل إذا لم أعدل وأنا يأتيني خبر السماء؟!» صلى الله عليه وسلم, فقال خالد بن الوليد: يا رسول الله: دعني أضرب عنقه؟ قال: «لا يتحدث الناسُ أن محمدًا يقتل أصحابه»([5]).
يعني من ينتسبون إليه وإن لم يكونوا صحابةً حقيقيين بل يتدثرون باسم الإسلام وباسم التقوى، ويتدثرون بهيئات الصلاة, فيَضِل بعضُ الناس بهيئاتهم.
ودعونا - أيها الأحبة - نتتبع شيئًا من الأوصاف التي وصفهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم بها، الثابتة في الصحيحين وغيرهما من دواوين الإسلام، فوالذي نفسي بيده إن هذه النصوص لتزيد الإنسان يقينًا وإيمانا ببعثته عليه الصلاة والسلام، وبعظيم نصحه وشفقته:
فأول هذه الصفات: أنهم أحداث الأسنان، أي صغار السن.
والثانية: سفهاء الأحلام. أي: العقول، وانظروا في أولئك الذين يتبنون هذا المنهج الخطير, هذا المنهج الغالي الذي يخرج على المسلمين, ولا يرقب فيهم إلاً ولا ذمة، يضرب بَرَّهم وفاجرَهم! انظروا في أعمارهم, وانظروا في علومهم, وانظروا في حلومهم وعقولهم.
الصفة الثالثة: واسمعوها يا شباب جيدًا: "يقولون مِن خير قول البرية", فهم حينما يريدون أن يؤصّلوا لضلالهم فيما يفعلونه من الإجرام والافتراق والخروج على جماعة المسلمين وعلى أئمتهم؛ تجدهم يستدلون بآية, وربما استدلوا بحديثٍ، أو بموقفٍ هنا أو هناك, هذه عادتهم, لكن لضلالهم وقلة علمهم يتركون مئات وآلاف النصوص من القرآن والسنة التي تنقض ذلك الأصلَ والباطلَ الذي أسَّسوه وقرّروه.
أما الصفة الرابعة: فيقول صلى الله عليه وسلم: «لا يجاوز إيمانُهم حناجرَهم»([6]) يقف هنا حدُّ الإيمان! يتردد بين الشفتين إلى الحنجرة، لم يصل بعد إلى القلب, عجبًا أهكذا هم؟! نعم, وهل هناك صفةٌ أخرى تزيدهم بيانًا؟ استمع يقول صلى الله عليه وسلم وهي:
الصفة الخامسة من صفاتهم: «تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم, وصيامكم إلى صيامهم, يقرؤون القرآنَ لا يجاوز حناجرهم»، الله أكبر, اللهم صلِ على محمد, اللهم صلِ على الناصح الأمين, انظروا أيها الأحبة واستمعوا أيها الشباب ،هؤلاء ليسوا من رواد البارات، ولا من رواد بيوت الدعارة، كلا! بل هؤلاء يُصلُّون ويصومون ويقرؤون القرآن، فقد ترى من أحدهم هيئة رجلٍ صالح كث اللحية, قصير الثوب، كما هي صفة الخارجي الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: اتق الله يا محمد واعدل.
وهكذا والله وصَفَه الراوي: "رجل قصير الثياب، كث اللحية"([7])، لكن الإسلام لا يعتبر بالمظاهر فقط, بل يعتبر بالمظهر والعمل.
وهنا أطرح هذا السؤال، وأدعو أحبتي ليتأملوا فيه: مَن الذين خاطبهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم, وصيامكم إلى صيامهم»؟ إنهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وبقية العشرة والصحب الكرام، ليس المخاطَب بهذا المقصّرون مِن أمثالنا, ومع ذلك هم من شر الناس وأضلهم، وأبعدهم عن الصواب والهدى, ولذلك لما مرَّ بعضُ الصحابة رضي الله عنهم ببعض قتلى الخوارج قال: في مثل هؤلاء أنزل الله قوله عز وجل: {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}[الكهف:104].
لما قُبِض على الخارجي عبد الرحمن بن مُلجم, وكان من الخوارج ممن قتل الناسَ وخرج عليهم قال: فقطعوا يديه ورجليه فلم يجزع! فلما أرادوا قطع لسانه خاف وجزع! لماذا يا هذا؟ قال: حتى لا تمر علي لحظة لم أذكر الله عز وجل فيها!!([8]) وهذا هو الذي قتل مَن؟ قتل خيرَ الناس على وجه الأرض في ذلك الوقت! قتل أميرَ المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه! فانظروا إلى الضلال كيف يبلغ بالإنسان!
وأما الصفة السادسة من صفاتهم فهي قوله صلى الله عليه وسلم: «يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية».
أرأيتم السهم حينما يُفارق رمية القوس, هل يبقى منه شيء؟ كلا, ولذا اختلف الأئمةُ فيهم؛ أهم كفارٌ أم لا؟ وليس هذا مقام البحث هنا, إنما المقصود: الإشارة إلى عظيم الفتنة بهم, وأنه قد تورّط في اعتناق مذهبهم طوائفُ مِن الأمة منذ عهد الخلفاء الراشدين - وتحديدًا منذ عهد عثمان رضي الله عنه - إلى يومنا هذا يقلون ويكثرون, يبرزون ويختفون, لكن فتنتهم بذلك عظيمة, وانظروا أيها الأحبة ويا أيها الشباب كيف تألّبوا على أمير المؤمنين الخليفة الراشد الذي تستحي منه الملائكة! الذي زوجه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بابنتيه, الذي بُشّر في أكثر من موقف بأنه من أهل الجنة! كيف يقول قائلهم: هذه الطعنة لله! وهو جاثمٌ على صدره، كل ذلك يفعله تدينًا!! ويأتي الآخر فيترصد لأمير المؤمنين علي رضي الله عنه, ويحشوا السيفَ سمًا عدة أيام، فيرقبه وهو خارجٌ إلى المسجد فجرًا في رمضان، في رمضان يقتل إمام المسلمين وخير الناس في ذلك الزمان! فيقتله ثم يُثني عليه صاحبُه ويمدحه بقتل خير الناس في ذلك الزمان {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}[الكهف:104].
لم ينتهِ الحديث بعد عن هذه البلية, وللحديث صلة, نفعني الله وإياكم بهدي كتابه, وبسُنة خير أنبيائه أقول ما تسمعون, وأستغفر الله العظيم ليّ ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
 
  المواضيع المتشابهة المنتدى التاريخ
القسم الديني 3 2K

المواضيع المتشابهة

أعلى