مسلسل الحقد

مقال: محمد بن سعيد الحجري عطب المنهج وانتهازية القراءة تعليق على مقال: "قراءة في دراسات استشراقية حول المذهب الإباضي" نشرت مجلة أثير الإلكترونية قبل أيام...

أبوسيف

منسق العلاج في تايلاند
طاقم الإدارة
المدير العام
مسلسل الحقد
مقال: محمد بن سعيد الحجري

عطب المنهج وانتهازية القراءة
تعليق على مقال: "قراءة في دراسات استشراقية حول المذهب الإباضي"

نشرت مجلة أثير الإلكترونية قبل أيام مقالاً للكاتب سعود الزدجالي قدم فيه قراءة لبعض كتب السلسلة المعنونة بــ: "دراسات استشراقية حول المذهب الإباضي"، فكانت قراءته قراءةً انتقائية لآراء المستشرق البولندي "تاديوش ليفتسكي" حول الإباضية، مخصصاً فقرات المقال لقضاياً منها ما هو متصل بآراء ليفتسكي وغيره من المستشرقين، ومنها ما هو متصل بنشر هذه الآراء؛ ويمكننا مناقشة وتفنيد تلك المقولات التي أوردها مقاله ــ مضموناً ومنهجاً ــ بسهولة لو كان المقام يتسع للتفصيل، غير أننا سنتوقف أمام فقرة نرى أنها هي الأولى بالنظر والتعليق من غيرها، نظراً لأنها تحوي خلاصة لرأي سعود الزدجالي واستنتاجاته، ولأنها كذلك مشبعة بخلل المنهج، ولما احتوته من أحكام ومزاعم قُصد منها أن تنشئ معنىً وتصوراً محدداً يريد الكاتب تمريره وإيصاله، وفي هذه الفقرة ينص قائلاً:
"وقد لوحظ على المسلمين الإباضية الأمازيغ الإيمان بكثير من الوثنيات، والعرافة، والنبوة المزعومة، وعبادة الشمس والقمر، والأوثانكما لاحظ ابن خلدون؛ فالأمازيغي مهما كانت انتماءاته المذهبية؛ فإنه لا يمكنه التخلي أو التنكر للأعراف والمعتقدات الدينية؛ وإذا كان شيء من هذه المعتقدات يتناقض مع التوحيد؛ فإنه لا بأس من إخفائها؛ لذلك فلا يستبعد أن تكون بعض الأساطير والقصص، وحكايات من قبيل حديث أوثان مازن بن غضوبة، وكرامات الأولياء، والشخصيات التي تولت الإمامة في عمان قد حيكت في فترة لاحقة تأثرا بكتابات الشماخي وغيره من إباضية الأمازيغ؛ لذلك فإن هذه القضايا تعد مادة خصبة للدراسة والتمحيص"

وفحوى هذه العبارة واضح لا يحتاج لتأويل، خلاصته أن بعض الإباضية يؤمنون بعقائد وثنية رغم وجود عقيدة التوحيد، وأن من أشكال هذه الممارسات الوثنية: عبادة الأوثان، والشمس والقمر، والعرافة، وادعاء النبوة، وأن هذه العقائد والممارسات يتم إخفاؤها إذا لزمت الحاجة؛ ولتأكيد قناعة الكاتب بهذا الزعم فقد رأى عدم استبعاد انتقال تأثير هذه المعتقدات الوثنية من إباضية المغرب إلى إباضية المشرق في عمان فظهرت مظاهر أخرى منها: كرامات الأولياء والأئمة العمانيين، والقصص الأسطورية، وقصة أوثان مازن بن غضوبة! إذن فلكل من مشارقة الإباضية ومغاربتهم نصيبهم من هذه العقائد والممارسات!!
وهذا المقطع من المقال المذكور الذي أوردته كاملاً هو نقطة الارتكاز التي يريد الكاتب الوصول إليها، وهو خلاصة ما أراد أن يقرره حول هذه القضية؛ ولمن قد يناقشنا بأن إيراده هو اقتطاع من سياق أو انتقاء لعبارة، نقول: بأنه خلافاً لما صُدِّر به مقاله بأن ما يرد فيه هو نقل من آراء المستشرقين الواردة في السلسلة، فإن هذه الفقرة بالذات ليست اقتباساً نصياً من آراء المستشرقين، وليست نقلاً من كتبهم، وليست تحليلاً لمقولاتهم الواردة في ثنايا المقال، ولكن هذه العبارة تملك استقلالية خاصة بها وتنشئ معنى جديداً، وتعبر عن رأي قائلها وتصوره تجاه الإباضية، بغض النظر عن مستنده في هذا الرأي، فالتلقي غير النقدي لآراء المستشرقين وقبول مقولاتهم دونما تمحيص هو خطأً مضاعف وليس عذراً لقائله، بل إنه هنا توظيفٌ لتلك الآراء وليس تحليلاً لها، هذا مع تأكيدنا أن العبارة الواردة تنشئ معنى مستقلاً ولا يقتبسها عن غيره.

لا أجد كلمة واحدة تَجَنَّينا فيها على الكاتب مع إصراره على ما ورد في هذه العبارة، وعدم وضعه أي مسافة تفصل رأيه عن المعاني التي قررها فيها؛ ولست هنا في معرض الرد والنقاش لهذه الترّهات، لأنه لا قيمة لها أصلاً، ولا تستند لأي مستند علمي يُحَلل ويُنَاقش ويُفَند بأدوات التمحيص العلمي، فذاك مقام علمي لم تصل إليه ولم تقترب منه، ولكننا نعلق عليها من جهة ونشير إلى عُوارها المنهجي من جهة أخرى.

فنقول هنا: إن الصبح لا يحتاج إلى دليل والشمس لا تحجبها الأكف، فالإباضية مذهب من مذاهب الإسلام القائمة على التنزيه المطلق لله ورفض الأشباه والأنداد، ولهم في ذلك نصوصهم الرئيسية الشارحة لمعتقدهم، ويستوي في ذلك مغاربتهم ومشارقتهم، ومن أراد الحقائق عاد إلى الأصول لا إلى سواها، والواقع تاريخاً وحاضراً شاهد على التمسك بلوازم معتقد التنزيه في التصورات الإيمانية، وتاريخهم كان رحلة دائبة من السعي إلى الحق والعدل، ورفض تقديس الأشخاص أحياءً وأمواتاً؛ ويكفي مثلاً مشهوداً أن تجدهم في الواقع مطبِّقين صارمين لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم في شأن القبور: "خير القبور ما درس"، وأجيالهم المتعاقبة لم تكن تعرف أين تقع قبور أئمتهم فضلاً عن تقديسها والتقرب إليها.

وإنه لمن العجب العجاب أن كاتب المقال حين طولِب عبر صفحته في "الفيس بوك" بأن يقيم الحجة على مزاعمه من كتب الإباضية أنفسهم، رفض ذلك قائلاً: إنه أمر لا يلزمه! بينما طالَب هو في المقابل من ينفون ذلك بإقامة الدليل على النفي! وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على تقصد وإصرار، لا على حرص على الحقيقة وبحث عنها وتحر لها، فكيف يطالب من ينفي بدليلٍ على نفيه والأصل أنّ البينة على من ادعى؟! كيف والأصل براءة الذمة من الدعوى إلا بإقامة الحجة كما هي الأصول!

ومن الأدلة على هذا التقصد والترصد خلطه الفادح بين العقائد والممارسات الوثنية التي حكى ممارسة بعض الإباضية لها حسب زعمه، وبين مسألة كرامات الأولياء التي رأى أن وجودها في التراث الإباضي المشرقي العماني دليل على تأثير تلك العقائد الوثنية القادمة من المغرب!! والسؤال هنا هل ثمة مذهب أو مدرسة أو شعب من المسلمين يخلو تراثه المعرفي والاجتماعي من فكرة الكرامات؟! إن كل مذاهب الأمة وشعوبها بلا استثناء لديها إيمان بكرامات الأولياء، وهو موجود لديها تنظيراً وواقعاً، حتى مع المدرسة الأثرية صاحبة التأويل الحرفي لنصوص القرآن والسنة سواءً الأقدمون منهم والمحدثون!! فهل هذا الحضور للكرامات ناتج عن تأثيرات وثنية قادمة من هنا أو هناك؟؟!! ثم ما الرابط الذي يربط بين كرامات الأولياء وبين الممارسات الوثنية؟ وعلامَ هذا التعمد للخلط بين ما يتفق المسلمون على رفضه وبين ما هو موجود واقعاً عند طوائف الأمة جميعاً؟ أم أن كرامات الأولياء أخذت بعداً وثنياً لمجرد أنها موجودة عند الإباضية؟!
ومن الأدلة على تعمد الخلط وتقصد التشويه جعله من قصة أوثان الصحابي مازن بن غضوبة دليلاً على أثر الوثنية في التراث الإباضي المشرقي!! بينما هي في الحقيقة تجسيد لرفض الوثنية ولسقوط عقائدها بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم وإسلام أهل عمان الطوعي.

ومن الأدلة على حالة الترصد غير الموضوعي والانتهازية أن كاتب المقال احتفى بدراسة للمستشرق "موتيلينسكي" قائلاً: إنها أهم دراسة تبيح تتبع العادات الوثنية والخرافة، ومن ثم كانت مستنداً له في استنتاجه قبول الإباضية الأمازيغ بالعقائد والممارسات الوثنية؛ على حين أن "موتيلينسكي" لم يقتصر في حديثه على الأمازيغ الإباضية، بل تحدث ــ حسب رؤيته الأسطورية التي نرفضها ــ عن موقف الأمازيغ عموماً تجاه العقائد الوثنية سواء كانوا إباضية أم غير إباضية (تحدث عن الأمازيغ غير الإباضية في ذات الدراسة، انظر سلسلة دراسات استشراقية في المذهب الإباضي ج3، ص99، 108، 110، 111، 113، 115، 119، 120، 121، 123، 127، 128، 132) لكننا نجد الكاتب يركز حديثه على الإباضية دون سواهم ممن أوردهم "موتيلينسكي"!؛ ويواصل الكاتب حالة الترصد والخلط بزَجّه باسم "ابن خلدون" للرفع من قيمة العبارة التي أوردها، وللإيهام بأن "ابن خلدون" يؤيد هذا الاستنتاج الذي توصل هو إليه، بينما يجد المطلع على دراسة "موتيلينسكي" إلحاحه الشديد على معارضة آراء ابن خلدون وبعض المؤرخين المسلمين الذين أكدوا نهاية الوثنية عند الأمازيغ في مرحلة مبكرة عام 101هـ/719-720م، بل يكاد "موتيلنيسكي" يصرح بأن دراسته جاءت لإثبات خطأ ابن خلدون وغيره في نفيهم لوجود الوثنية (انظر دراسة موتيلينسكي في المرجع السابق، ص98، 99، 102، 106، 131) فعلام الزج باسم "ابن خلدون" وكلامه لا يدعم هذا الادعاء؟؟!!

إن قراءة الكاتب لهذه الدراسة بالذات تؤكد المشكلة المنهجية التي يعانيها في قراءته غير النقدية وشبه الاحتفائية؛ والمحصلة التي ننبه إليها هنا أن المشكلة لا تكمن في وجود أو معرفة الآراء الاستشراقية تجاه المسلمين، إذ علينا أن نعرف كيف يرانا الآخر وسنجد حتماً ما يوافق الحقيقة وما ينافيها، ولكن المشكلة تكمن في أدوات قراءتها وتحليلها والاستفادة منها من قِبَلنا دون عُقد الانحيازات المذهبية، وفي ضرورة فهم زاوية النظر والرؤية الاستشراقية المبنية على المنهج الأنثروبولوجي، والتي كثيراً ما تجنح إلى الغرائبية والتفسير الأسطوري للواقع (التفسير الميثلوجي) وهو ما كان حاضراً بقوة في دراسة "موتيلينسكي" التي احتفى بها كاتب المقال دون تبصّر وتمحيص؛ إن النظرة الاستشراقية توصلت حيناً إلى أن شعائر الحج هي بقايا من تأثيرات الوثنية! فهل سنسلم لهم بذلك أو نقبل منهم؟!

إن ذلك ينبهنا دائماً إلى ضرورة القراءة النقدية الحذرة التي تحكم على المدارس الإسلامية من خلال أصولها ونصوصها لا من خلال ما كتب عنها؛ وإذا كانت الأمة دفعت ثمناً باهضاً من وحدتها وتعايش أبنائها بسبب تسليمها لآراء كُتّاب الملل والنحل المسلمين طيلة قرون، فهل يعقل أن نسلّم اليوم لآراء المستشرقين دون حس نقدي وأدوات تحليل سليمة؟ّ!

وختاماً.. لا أجد ما أصف به تلك العبارة وما حوته مزاعمها وادعاءاتها وتلبيسها إلا أنها مجرد ترداد قديم لمقولات كُتّاب الملل والنحل الذين جنوا على الأمة المسلمة جناية خطيرة حين شوهوا صور كثير من فِرَقها ومذاهبها، دون أن يكلفوا أنفسهم البحث في أصول مخالفيهم ونصوصهم ليتثبتوا من مقولاتهم؛ فصرفت الأبصار عن مواطن الاتفاق المشتركة الواسعة إلى مواضع الخلاف، المصطنع منها والحقيقي! ولكن المدهش هنا أن يعاد تعبئة هذه المقولات المنتهية الصلاحية في عبوات جديدة تحاول أن تتزيّا بلغة البحث العلمي الحديثة؛ ما قد يؤدي إلى بعث موجة جديدة من تشويه تصورات المسلمين عن بعضهم؛ واللافت أيضاً أن علماء الأمة وأبناءها المخلصين من كل مذاهبها ومدارسها المحترمة قد بذلوا خلال العقود الماضية ويبذلون جهوداً جبارة لتجلية الصور المشوشة وكشف تزييف الحقائق وتصحيح التصورات المغلوطة، والبناء على المشترك بين أبناء الأمة الواحدة، لكن هذه الجهود المباركة تحرج البعض وتكشف مواقفه فلا يرتضيها ويشغب عليها، ويسعى من جديد لإعادة التاريخ إلى الوراء، وتكريس تلك الصور المنتحلة التي مزقت الأمة وصنعت بينها الشقاق والتصدعات.

والأمر الآخر الذي لابد من التوقف أمامه بكثير من التأمل والفحص هو أن نتساءل لمصلحة من يأتي ترداد هذه المزاعم بأن لدى الإباضية عقائد وممارسات وثنية بأشكال متعددة، وأنهم يخفونها أحياناً؟؟؟ لمصلحة من؟
ألا يصب هذا الزعم وهذا الإدعاء في صالح التكفيريين واللّافكر التكفيري الذي يجد رواجاً اليوم، وتنشط له جهات وتنظيمات؟؟
ألا يوزع التكفيريون اليوم أحكام الإخراج من الملة بالمجان على خصومهم تحت أوهى الذرائع وبأدنى الأسباب؟! فكيف نقدم لهم اليوم مادة لمزيد من التكفير والغلو، قادمة من ضلالات الأوهام والقراءة غير الواعية لآراء بعض المستشرقين؟
لمصلحة من يعاد رسم الصور المشوهة؟
لمصلحة من تهدم جهود التقارب والتعارف بين أبناء الأمة؟
لمصلحة من سيجد الخطاب التكفيري مدداً لذرائعه وأوهامه؟!

نشر بمجلة أثير الإلكترونية.
http://www.atheer.om/Article/Index/6535
 
توقيعي
تايلند أدفايزور - التنسيق الطبي لمستشفيات تايلاند مجانا

تواصل معنا على واتس أب - لاين - فايبر - إيمو - تانقو : 0066864036343

المواضيع المتشابهة

أعلى