تمثال في بلاد الحرمين..!

*** إنه طفل صغير أبيض , فاحم الشعر والعيون , يحمل وجها ً بتقاسيم صغيرة و دقيقة .. ينبض بالبراءة , وتضخ أو ردته دما ً أحمرا ً .. نحيل الجسد وشاحب البشرة ...

زياد 15

عضو
مسجل بالموقع
تمثال في بلاد الحرمين..!
***
إنه طفل صغير أبيض , فاحم الشعر والعيون , يحمل وجها ً بتقاسيم صغيرة و دقيقة ..
ينبض بالبراءة , وتضخ أو ردته دما ً أحمرا ً ..
نحيل الجسد وشاحب البشرة , يتوكز على ساقيه النحيلتين بحرص بالغ , خوفا ً من الريح أن تحمله معها !
لشد مايشبه نحل جسده الورقة ! ..
كثيرون مروا به , وشاهدوا جوعه الذي لا يطلب ..
وتأملوا عينيه التي لا تتسول ...
وكثيرون تجاسروا على التفكير فيه دون أن يلهبهم وجع الضمير ..

ولأنني كنت بعضا ً من ذرات التراب التي دخلت خياشيمهم ! ذات حلم ؛ فلقد حملت لكم بعض أفكارهم الجسورة عنه ! ...

قال أحدهم _ موظف في شركة سيارات , ليس بغني جدا ً , ولكنه مقتدر بجدارة ! _ يخاطب نفسه :

أيها الصغير الذي توسد الشارع جوعا ً : أعرفك ...
كثيرا ً ما مررت بك وأنا أركض مسرعا ًللحاق بسيارة (تاكسي) لأصل لعملي ..
وأعرف أنك اليوم بالذات تلوح لي أنا , لا لتتسولني , بل لتبحث عن ابتسامة دافئة تبدأ بها يومك ..
متأكد من هذا لأني أراك, لاتفكر حتى بأن تمد يديك طالبا ً, بل عيونك وحدها تتوسل بصمت جائع , وابتسامة عريضة ..
تصرخ : فقط أريد ابتسامة , أريد أن أشعر أنني انسان ..

وسأتجاهلتك متعمدا ً , لأني خائف أنك تريد أن تثرثر أيضا ً , وأنا مشغول أيها الطفل , مشغول , مشغول ...

خذ عندك مثلا ً : أطفالي يكبلونني بوعد نزهة , إلى الملاهي الكهربائية .
قد تتسأل مثلا ً : ألا يمكنك أن تأخذني معهم ؟
وسأعتذر منك : آسف يا صغير , لا بد أن الشارع قد علمك شيء لا يليق أن يتأثر به أطفالي ..
ثم إن ملابسك المتسخة هذه _ آسف _ قد تفسد ملابس أطفالي وأنت تحتك بهم , ذات تقارب عفوي ..
..........
أممممم ! لماذا لا ألبسك ملابس جديدة ؟!
ولكن مازلنا أيها الصغير لم نتخلص من المشكلة الأولى : كيف ألبسك اخلاقيات جديدة ؟! هل تباع هذه مثلا ً : في السوق ؟

ثم تعال أيها المتسول ! ألست هكذا _ وأنت تطلب ملابس جديدة _ تتسولني ؟!

أغرب أيها الوسخ عن وجهي ...

***
امرأة تجاسرت على التفكير به , هي أيضا ً ...
ولأنها كانت تمر به كل يوم , وهي تدخل المحل التجاري الذي تعمل به محاسبة , حيث يفترش هو : قريبا ً منه بأمتار ,
فلقد مررت عينيها به , كما نمرر أعيننا بألفة معتادة , على شيء تعودنا أن نحييه كل مرور : بوجه عابس فضولي ! ..

وهمست في داخلها : أيها القذر , أمازلت موجودا ً ؟ ..
كيف غفلت عنك الهيئة المسؤولة عن واجهة السوق الحضارية ؟ ..

كيف تتوسد مكانا ً راقيا ً مثل هذا ؟ ألا تعلم أنك تفسده ؟ ..

توقفت قليلا ً أمام الواجهة الزجاجية لباب المحل ؛ تصلح ( الميك أب ) الخاص بها , ثم دخلت , وخلخال ذهب يعلن عن قدوم قدميها !

.... عفوا ً أقصد : قدوم رأسها الفارغ من عقل ..

**
فتاة في الخامسة عشرة من عمرها مرت به ... وتجاسرت هي أيضا ً على التفكير به بل وتصويره !..
رفعت جوالها ( أبو كاميرا ! ) وألتقطت له صورة ..

إلتفت وقالت لرفيقتها _التي تتلفت ناحية شاب وسيم ألقى لها برقمه _ : هذا التمثال الوسخ , أليس غريب مكانه في هذه الساحة الراقية النظيفة؟
إلتفتت رفيقتها وقالت : أي تمثال ؟ ..
وأشارت المصورة ! ناحية الطفل : هذا ..
ردت الرفيقة ( لاحظوا , لم أقل صديقة) ببلاهة : لا أدري , ربما هم في طريقهم ليزيلوه ! ..
وبدأتا في التحدث عن سوء خدمة البلدية ...

ثم عن آخر موضة لصبغة الشعر , وهما يمران بمحل كتب على واجهته : ( للأنيقات ! ) ..

الطفل أزرق اللون , متيبس كتمثال , والريح المهاجرة غرست في ملابسه مقطع من جريدة , مكتوب فيها خبر صغير عن عدد محلات الكلاب في الشرق الأوسط , وكم ينفق العالم المتحضر في إطعامها من أموال ..






أيها الجائعون لدفء حفرة !
لا تبتأسوا .... يوجد عندنا ماهو أفضل ....
كثير قبلات , نوزعها مجانا ً في أي مكان يخطر في بالكم , وقد لا يخطر .
فقط : قفوا أرجوكم في مرمى رصاصنا , لنمنحكم قبلات موت تخدركم حتى الزرقة , ودفء الحفر! ..


م
ن
ق
ل
 
أعلى