تايلاند جوهرة التراث وأرض الابتسامات

تايلاند هي أرض الغابات المشبعة بالبخار، والجزر الاستوائية، وحقول الأرز الشاسعة، والأنهار الوافرة، والجبال التي تغطيها السحب، فلا عجب أن تكون مقصد السياح...

محمد عبد القادر

مدير السياحة العلاجية في تايلاند
طاقم الإدارة
مسئول بالشركة
تايلاند جوهرة التراث وأرض الابتسامات
تايلاند هي أرض الغابات المشبعة بالبخار، والجزر الاستوائية، وحقول الأرز الشاسعة، والأنهار الوافرة، والجبال التي تغطيها السحب، فلا عجب أن تكون مقصد السياح الأول في جنوب شرق آسيا، وفوق هذا كله، توصف بـ «أرض الابتسامات» للطف شعبها وكرمه.​
وتاريخ تايلاند الغني بمزيج تقاليدها وشعوبها ليس إلا إرثاً ثقافياً أغنى البلاد في مجال الفنون والحرف والادب، وهذا يتجلى في القصور والحدائق والمعابد، حيث استعراضات مسارح الرقص بالأقنعة، والجداريات المنقوشة، والحرف التقليدية كالسيراميك والجرار الفخارية والحرير، وغيرها.​
والبلاد معروفة بمطبخها الغني والمتنوع، وبمنتجعات التدليك والمداواة بالأعشاب، ومهرجاناتها التي تنشر أجواء البهجة على مدار السنة.​
ويخطئ من يظن أن عطلة اسبوع في تايلاند كافية للتمتع بما تزخر به تلك البلاد من جمال وتنوع وغنى، وكل من يغريه بالتأكيد التوجه نحو الجزر والشواطئ الخلابة ومراكز التسوق فقط، يكون قد شاهد ما ندر من مفاتن تلك البلاد.​
ففي تايلاند أماكن لا تقل روعة، وربما تعكس، على نحو أفضل، البلاد على أصالتها، بعادات سكانها وتقاليدهم وأسلوب حياتهم اليومية، وهذا تحديداً ما شعرنا به بعد قضاء اسبوع في ثلاث ولايات جنوب غرب العاصمة بانكوك: «ساموت سونغرام»، و«راتشبوري»، و«ساموت ساخون»، التي تربط بينها عدد من القنوات المائية، تشكل وسيلة نقل للقرويين هناك، عوضا عن تشكيلها فرصة رائعة للسياح للتعرف على حياة البلاد التقليدية.​
ففي رحلة دامت 6 ساعات، انتقلنا خلالها عند المساء على أجنحة الخطوط الجوية التايلاندية لملاقاة اشراقة الشمس الأولى، كان موعدنا الأول مع حسن الضيافة التايلاندية.​
وقد وصلنا مطار بانكوك الدولي (سوفانابومي) حيث أمضينا ليلتنا الأولى في العاصمة، لنشهد على احتفالات تلك المدينة بزوارها عام 2015، بمواكب مبهرجة استعرضت أزياء وتقاليد ورقصات وأطعمة ومنتجات وعادات وفنون سكان البلاد من اتجاهاتها الأربعة، ضمن فعاليات «اكتشف الملامح التايلاندية لعام 2015».​
انطلقنا بعدها صباحا بالحافلة غرباً، بموازاة شاطئ البحر حيث تكثر مزارع الملح، نحو ولاية ساموت سونغرام، التي تقع على بعد ساعة ونيف تقريبا، وكان يمكن، على طول الطريق، مشاهدة المنازل التايلاندية التقليدية القديمة المشيدة على ضفاف القنوات المائية، تحرسها اشجار الفاكهة والاشجار الاستوائية، في مشهد يعكس أفضل ما يكون طبيعة الريف التايلاندي في تلك الانحاء من البلاد.



ساموت سونغرام

الولاية تقع على مصب نهر ماي كلونغ عند خليج تايلاند. وعبور النهر بالولاية يكسبها رونقاً طبيعيا خاصا، ويجعل أراضيها زراعية خصبة، حيث تزخر المنطقة باصناف كثيرة من الفواكه، من جوز الهند والليشيه والبوملي والجوافة والعنب، إضافة الى انواع من السمك وثمار البحر.​
والقرويون في تلك الأنحاء ينطلقون من ساعات الصباح الأولى معتمرين قبعاتهم المصنوعة من أوراق النباتات، ويجدفون قواربهم التي ملأوها بمنتوجهم الزراعي إلى السوق العائم المشهور في المدينة لبيعها، وهذه الأسواق العائمة التي تشكل طريقة حياة القرويين منذ القدم تعد معالم سياحية لا تفوت في تلك الولاية والولايات المجاورة.​
وتحوي المنطقة معابد جميلة بأسلوب معماري خاص، يمتزج بفن وعمارة حقبة «راتاناكوسين» في القرن الثامن عشر، ورسومات جدارية من فترة سابقة. كما تحوي حرفا قديمة نادرة، كصناعة الأدوات الموسيقية من جوز الهند، وصناعة السيراميك المشهورة في تلك الأنحاء.​
واستئجار مركب والتجديف في القنوات المائية لنهر ماي كلونغ التي تظللها الاشجار الاستوائية، والمرور بين القرى وبساتين الفواكه، والابحار بين المنازل التقليدية بأسقفها الموركة، والمعابد الجميلة بعمارتها التقليدية المتناثرة على ضفاف القنوات المائية، والاطلاع عن كثب على صناعة جوز الهند، تجربة لا تفوت، لمن يريد معرفة الطريقة التي عاش فيها سكان هذه المنطقة على الضفاف المثمرة للنهر، في انسجام مع الطبيعة.​
وقد تسنى لنا زيارة منزل مزارع فنان يصنع أدواته الموسيقية التقليدية من قوقعة جوز الهند، قد يكون الأخير ضمن جيله، أطلعنا على حرفته بدءا من قطفه لأصناف جوز الهند ثلاثية القاعدة، وحدها الملائمة لصناعة الأدوات الموسيقية، وصولا إلى ما تستلزمه صناعتها من تجفيف ونقش.​
انتقلنا بعدها في رحلة مفيدة وممتعة عابرين القنوات المائية إلى مزرعة أخرى لصناعة السكر من جوز الهند، المنتج المهم في المطبخ التايلاندي، حيث اطلعنا على عملية تشذيب والتنقيط المتبعة، وصولا إلى تحويلها إلى سكر.​
وقد شاهدنا على الطريق أيضا مصنعا للسيراميك، ورؤية كيف يصنع فنانون ماهرون بيدهم التصاميم التقليدية بزخارفها الملونة.​
مصنع سيراميك «بان بيسوان بنشارونغ»، شركة عائلية مضى عليها ثلاثة أجيال، توظف اكثر من 30 عاملا بعضهم أصبح له حوالي 30 عاما في الخدمة. ينتج المصنع ما يسمى سيراميك «بنشارونغ» العائد لفترة الملك راما الثاني، وتستخدم في عملية التلوين خمسة الوان، أما التصماميم فتعود لفنانين تايلانديين.​
وفي حقبة «راتانكوسين»، في القرن الثامن عشر، ادخلت نماذج جديدة على التصاميم مثل الازهار وورة اللوتس والفراشات وغيرها، وقد شرحت لنا حفيدة صاحب المصنع أنواع التصاميم المختلفة القديمة العائدة لفترة الساخوتاي، وتلك التي أدخلت عليها تعديلات تماشي العصر.



راتشبوري

وفي اليوم التالي، تركنا منتجع «بان أمفوا» بأشجاره الاستوائية وحدائقه، حيث قضينا ليلتنا على ضفاف النهر بين عمارته التايلاندي التقليدية، وفيلاته من طراز حقبة «راتاناكوسن» المعاصرة، باتجاه راشتبوري.​
وراتشبوري التي تقع على بعد 80 كلم غرب بانكوك، هي موقع حضارة حوض نهر ماي كلونغ، لكنها أيضا موطن سلسلة جبال «تاناو سي» التي تغطيها الضباب على حدود ميانمار، لذا يوجد في راتشبوري كهوفا وغابات وينابيع وشلالات، بموازاة القرى والبساتين على ضفاف النهر.​
اسمها يعني «أرض الملوك»، ومدينة «الجرار». ويعرف أنها كانت مركز لقاء للتجار قديما، لذا تتميز بانها اكثر المدن كثافة سكانيا بأعراق مختلفة. وكل هذا التنوع يعبق حاليا بالتاريخ والتنوع الثقافي والحرف وغيرها من المعالم الأخرى، حيث المتاحف التي تظهر ثقافة اللاو والكارن وثايوان والخمير، والمعابد بعمارتها المتنوعة، ومدنها الأثرية.​
والمنطقة تشتهر هنا أيضا بسوقها العائم «داميون سادواك»، كما توفر قنواتها المائية فرصة لرؤية البساتين ومشاهدة الثقافة المحلية للقبائل في الأنحاء وكيفية المداواة بالأعشاب، وتنوعها البيولوجي.​
ولعل أهم ما تتميز به المنطقة على الصعيد الثقافي، مسرح «دمى الظل» الذي يظهر الفن التايلاندي الأصيل. وفي معبد «وات خانون» المدرج ضمن التراث العالمي لمنظمة «يونيسكو، توجد أكبر مجموعة من هذه الدمى المصنوعة من جلد الحيوانات.​
ومسرح دمى الظل كان الشكل القديم للترفيه لدى ملوك تايلاندا، وقد ازدادت شعبيته بين الناس في القرن الرابع والخامس عشر. ويعرف عنه أنه يستخدم القصة والغناء والموسيقى والرقص في الأداء.​
أما الدمى، فهي في الغالب لوحات منقوشة مصنوعة من جلود الأبقار، يصل طولها أحيانا إلى أكثر من مترين، وتصور أمزجة وشخصيات متنوعة، لتتماشى مع سرد القصة. والمنطقة كانت مشهورة أيضا بمنسوجاتها وتصاميمها المتعددة التي تعكس تنوعها الثقافي.​
وفي تاي يوان متحف للمنسوجات يحفظ أصنافا من الأقمشة القديمة، وتصاميم الأزياء المختلفة. وهذا كان مصنعا بدأ عمله منذ 700 عام، واستمر في العمل إلى أن اخذ اللباس الغربي يهيمن على اللباس في عشرينيات القرن الماضي.​
وتشتهر راتشبوري أيضا بجرارها المائية المعروفة «بجرار التنين» التي كانت تستخدم في ملء المياه، قبل أن تحل مكانها خزانات الماء المصنوعة من البلاستيك والمعدن، فتحولت ورش تلك الفخاريات مراكز لإنتاج جرار وأشكال أخرى للزينة.​
وكان لنا موعد خلال الرحلة مع مؤدي رقصات تايلاندي حائز على الجائزة الوطنية، مدير مركز «سوان سليب بان دين»، المعلم مانوب ميجامراس، في منزله المنزوي بين بساتين أشجار المانجو. حدثنا عن البروتوكول الاجتماعي في تايلاند، بدءا من إلقاء التحية وصولا إلى كيفية ارتداء الملابس التقليدية، وتنسيق الأزهار، وأسلوب الرقص التايلاندي.​
توجهنا بعدها إلى «مجتمع جد سميان» الذي يعود الى 117 سنة في مقاطعة فوثارام، حيث تجولنا في الأسواق التي تقدم الطعام التايلاندي، قبل الانتقال إلى منتجع «سامبران ريفرسايد» في ساموت ساخون، الولاية الواقعة على مصب نهر «ثا تشن كلونغ»، حيث تكثر حقول إنتاج الملح ومزارع الروبيان، وتمر المراكب عابرة النهر إلى مختلف المقاطعات.


مشروع
منتجع سياحي حائز على جوائز عالمية

منتجع «سامبران ريفرسايد» هو مشروع سياحي نموذجي يضم فندقاً ومزرعة عضوية، وحدائق نباتية، وقرية ثقافية تايلاندية، إلى جانب سوق للمزارعين لعرض منتوجاتهم. بدأ هذا المشروع العائلي في ستينيات القرن الماضي بحديقة زهور تورد إلى بانكوك، قبل أن يصبح مشروعا حائزا على جوائز وشهادات عالمية.​
المنتجع يتألف من سبعة منازل مشيدة على الطراز التايلاندي التقليدي من خشب الساج عام 1967، وفندق تحيط به الأشجار الاستوائية وحدائق الزهور الملونة، على ضفاف بحيرة. وكان في المنتجع ملعب غولف ونادي ريفي، دمرا في الفيضانات التي اجتاحت البلاد عام 2011.​
وتقدم القرية التايلاندية التابعة للفندق عروضا للزوار، حيث يتسنى لهم الاطلاع على الحرف والفنون الثقافة التايلاندية، كصناعة الزيوت المستخدمة في التدليك، والحصول على صفوف بالطبخ التايلاندي، والاطلاع على الحرف التايلاندية من تلوين المظلات، إلى صناعة الأسماك من النباتات، وصناعة الحرير، وغيره. كما يمكنهم حضور عروض للتعرف على تفاصيل الحياة التايلاندية، وأشكال الرقص المختلفة، وغيرها.


مناطق
تنوع جغرافي تايلاندي

في تايلاند مناطق جغرافية متنوعة. في الشمال تقع المناطق الجبلية حيث تصل أعلى نقطة «دوي انثانون» الى ارتفاع 2565 متر فوق سطح البحر. وفي الشمال الشرقي، هضبة يحدها شرقا نهر ميكونغ ، أما في وسط البلاد، فيقع وادي نهر تشاو فرايا الذي يصل الى خليج تايلاند.​
ويعتبر النهران «تشاو فرايا» ونهر «ميكونغ» وروافدهما، ممرات مائية لا غنى عنهما بالنسبة لتايلاند الريفية. ويساهما في القطاع السياحي على شواطئ المنطقة الجنوبية. كما يعتبر بحر «اندامان» مورداً طبيعياً هاماً لأنه يحوي معظم المنتجعات السياحية في آسيا.​
والمناخ في تايلاند استوائي رطب و جاف. والحرارة تتراوح ما بين 38 درجة و19 درجة. ويشكل كل من نوفمبر وديمسبر بداية الموسم الجاف حيث تنقص الحرارة في الليل، لتبدأ من يناير بالارتفاع.



ساموت ساخون

تشتهر ساموت ساخون بحدائقها الغناء وانتشار المزارع العضوية فيها، وهي توفر إلى جانب متعة التجول في حدائق الأزهار والبساتين، متعة الإبحار في نهرها وبحيراتها وروافدها.​
والمثير في هذه المنطقة رؤية كيف يتغير اتجاه النهر جنوبا وشمالا مع تقلبات الليل والنهار، حيث تيارات المد والجزر تأخذ معها حزماً كبيرة من النباتات صعودا ونزولا في مجرى النهر، وتعبر المراكب بحمولتها إلى مختلف المناطق. وربما أهم ما في المنتجع الذي قضينا فيه ليلتنا البساتين العضوية الملحقة به، والتي اجتاحتها الفيضانات عام 2011، لكن أعيد تشجيرها.​
ولقد تسنى لنا عبور النهر والتجول بين أزهار اللوتس المنتشرة في القنوات المائية، ورؤية أشجار البيتلز الوارفة التي تحدت الفيضانات بطولها العملاق، والاطلاع على كيفية صناعة الأسمدة العضوية، والتعرف على النباتات المختلفة المستخدمة في الطبخ التايلاندي، وتذوق أنواع الفواكه التايلاندية والشاي المصنوع من النباتات المختلفة، والتعلم عن وسائل تنظيف البيئة البيولوجية.​
 
توقيعي

المواضيع المتشابهة

أعلى